لماذا لا نترك علما ينتفع به ؟

كثيراً ما تراودني العديد من الأفكار، لكنني ما إن أهمّ بإمساك الورقة والقلم لأدوّن ما يجول بخاطري، فإذا بالكلمات تنصرف عنّي، وكأنما أقسم القلمُ على ألا يكتبَ حرفاً واحداً.

العجيب أن الفكرة ربما تأتيني ما بين النوم واليقظة، وأنا ممدّد على سريري، وتتسلسل الكلمات والجُمل تباعاً، لكنني ساعتها قد أتكاسل عن تدوين هذه الكلمات؛ لتضيع وتتبخّر مع أحلامي، التي كثيراً ما أنساها حينما يأتي الصباح.. فأفكار الليل كما يقولون في المثل العامّي: “مدهونة بزبدة تطلع عليها الشمس تسيح”.

منذ مدة كنت أجلس مع صديق عزيز، فباغتني بسؤاله: لماذا لا يستطيع الإنسان التعبير عما يدور بخلده، وربما قرأ كلاماً لكاتب فيظنّ أن هذا الكلام ليس غريباً عليه، أو ربما سبقه ذلك الكاتب بالتعبير عما كان يودّ تدوينه؟

أعتقد جازماً في قرارة نفسي أن الكتابة أو التدوين إنما هي رِزق يسوقه الله للإنسان؛ لينفع به غيرَه، أو ربما ينفع نفسَه في المقام الأول.. ليست الكتابة شطارة، بقدر ما هي إلهام، أو وربما وحي، أو ربما هي شيء آخر لا نعلمه.. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (سورة البقرة: 269)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من البيان لسحراً”.

كثير من الناس قد وهبهم الله القدرة على التعبير عما يدور في أذهانهم، أو ما يعتمل في صدورهم، لكن ذلك لا يأتي هباء، بل سيكون بالتدريب والممارسة والمداومة على الكتابة حتى يصيرَ الأمر أشبه بالمَلَكة التي لا تنفكّ تلازم صاحبها.

لكنك تستطيع أن تتأمل فيما حولك.. أفراد أسرتك، أو محيطك الاجتماعي.. ربما لو تأمّلت موقفاً واحداً وقمت بتحليله وتدوينه، لأفدت غيرَك، واستفدت كثيراً جداً، ربما يكون موقفاً صغيراً عابراً، لكنه يحتوي على دروس وعِبر لا تتحصّل عليها من قراءة الكثير من الكتب.. فما يمنعنا من تدوين كل ما يمرّ بنا حتى لو أصبح فيما بعد مجرد ذكريات؟!

لذلك فنصيحتي -عزيزي القارئ – أن تبادر حينما تجد فكرة طرأت عليك أو خاطرة، أو ربما واقعة ما حرّكت فيك شهيَّة الكتابة إلى الجلوس والتدوين، فهي فرصة لا تعوَّض، وما يمر لا يعود مطلقاً، وكم مِن أناس لو لم يتركوا لنا علومَهم لما سمعنا عنهم، بل خلَّدتهم مؤلفاتهم وكتاباتهم، فالذِّكْر للإنسان عُمْر ثانٍ، بل إنني أظنّ أن الكتابة أو التدوين، من العلم الذي ينفع الإنسانَ بعد موته؛ لما رُويَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”.

أسأل الله ألا يقطع أعمالَنا بعد موتِنا، وأن يجعل لنا مِن فضله نصيباً.. ودُمتم بخير.

رزق عبد المنعم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى